الدين والدولة
لا يوجد بعد اتّفاقٌ على المبادئ التي تؤسّسُ لعلاقةٍ سليمةٍ بين الدّين والدّولة
الدّين والدّولة، كما لا يوجد نظامٌ واحدٌ ووحيدٌ يُعتبر الأفضل، بل هناك أنماطٌواجتهاداتٌ مختلفةٌ مرتبطةٌ بالسّياق التّاريخي والثّقافي والاجتماعي لكل بلد…مثلما هي الحال في اختلاف النموذج الأمريكي عن الفرنسي، والسّويدي عنالألماني، والهندي عن الياباني… والماليزي عن الإندونيسي.
إنّ الدّين والدّولة هما نتاجُ سياقٍ تاريخيٍّ ومجتمعيٍّ لذلك نعرف أنّ الحلَّ كما ذكرنا لن يتأتّى بالعصا السحريّة، ولا باستيراد النماذج الغربيّة أو الشرقيّة، بل لن يكونَ الحلُّ إلاّ نتاجَ مخاضٍ ) Process ( مجتمعي، وعمليّةَوعيٍ تراكميٍّ، ونضالٍ سلميّ مجتمعي، وحركةِ تحرّرٍ فكري، شريطةَ أنْ يكونَلها بوصلة تشير إلى جهةٍ واضحةٍ لا لبسَ فيها…ليست العلاقةُ بين الدّين والدّولة جامدةً )ستاتيكية( بل إنها ديناميكيّة،كما أن الكلمة الفصلَ لم تُقلْ بعد، ولن تقالَ أبدًا، وإنْ دلّ هذا على شيءٍإنّما يدلُّ على أنّ حركة التاريخ لم تأتِ إلى نهايتِها بعد؛ بل سيبقى هذاالموضوعُ في حالة حراكٍ دائم… وبالتالي لايوجد جوابٌ أبديٌّ ولاتوجد معادلةثابتة أوصحيحة بل توجدُ بدائلُ متعدّدة ومساهماتٌ ومقارباتٌ وتفاعلات.ومع هذا فعلى المستوى العالمي، تحتلّ هذه المنطقةُ الموقعَ الأخيرفي العلاقة بين الدّين و الدّولة والذي يأتي في السياق الشرق أوسطي العام ،والمتمثل في استخدام النظم الحاكمة من جهة والحركات المعارضة من جهة أخرى الدينَ أداةً للتسلط والاستفراد بالسلطة أو الانقضاض عليها.
إنّ العلاقة الصحيحة بين الدّين والدّولة مهمة للتقدّم البشريِّ ولمستقبل الشرق الأوسط؛ واختلالُ هذه العلاقة يؤثِّر على جودة الحياة،
وينغِّص العيشَ اليومي، ويؤخِّر الرقيَ المجتمعي .وإذا اختلَّت العلاقة بين الدّينوالدّولة انتُقِصَت حقوق الأقليّات، ودفعت المرأة ثمنًا باهظًا، وضاقت الفرص أمام الشباب، وانتفَت التعدّدية الدينية والفكريّة والثقافية، وانتُهِكت كرامةالإنسان وحرياتُه. هذا بالإضافة إلى أنّ مجتمعَ القمع لا يحدُّ الحريّاتِ الفرديّة والجماعيّة فحسب، بل يعوق الإنتاج، وبالتالي يهدرُ الطّاقاتِ البشريّةَ بدلَ
أنْ يكتشفَها ويفجّرَها. وهنا لا بدّ من التأكيد على أنّ تأمينَ سعادة الإنسانِوكرامتَه هو في النهايةِ محورُ الدّين وقوام الدّولة، فهل من الممكن خلقطاقات إيجابية متآزرة ) synergy ( بين الدّين والدّولة، كي يكون لإنساننا الشّرقأوسطيّ حياة أفضل؟
هذا هو السؤال المحوري!