ما زالت دولة القانون غائبة عن أكثر دول الشرق الأوسط، مع أن هذه المجتمعات في أمسّ الحاجة إلى دولة القانون هذه كوسيلةٍ للحماية من التسلّط السياسي من جهة، ومن تسلطٍ وتطرفٍ دينيّ جائرٍ من جهةٍ أخرى، يحرّم ما يريد ويحلل ما يتماشى مع أطماعه، كما أن دولة القانون أساسية لمكافحة الفساد المتفشي في الحكم والإدارة والاقتصاد، كالرشوة والمحسوبية ومحاباة الأقارب والابتزاز والاحتيال وممارسة النفوذ، ناهيك عن التزوير والمغالطة في الانتخابات والهيئات التشريعية والقضائية؛ والعبث بالبيئة، والاستهانة بحرمة الحياة.
ثمة خلط ولبْسٌ بين الشرائعِ البشرية من جهةٍ والشرع الدينيّ من جهةٍ أخرى في مجتمعاتنا العربية. فالأديان لا يمكنُ أن تكون إلا مصادرَ قِيَمِيّة للتشريع، أما القوانين الوضعية فلا يمكن إلاّ أن تصدر عن سلطة تشريعية ناتجةٍ عن انتخابات حرةٍ ونزيهة، حيث يصونُ القانون قضاءً مستقلاً، ويسمو تطبيقه على المحسوبيات المُغرضة والمصالح الانتقائية.ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الدساتير العربية ما زالت تعاني من تجاذبات وتناقضات؛ كما أن آليات التفسير والتنفيذ لم ترتق بعد إلى العدالة الدستورية المنشودة، مما يقتضي شن حملات إصلاحية كثيفة من خلال قنوات التوعية والتربية القانونية على كافة مستويات المجتمع. إن ما تصبو إليه شعوبُ المنطقة ما هو إلا دولة القانون حيث تسود المواطنة المتساوية المتكافئة وحيث يُحتفى بالتعددية السياسية والثقافية والاجتماعية في ظل دولةٍ لا تُميِّز بين مواطنيها بناء على الجنس أو الدين أو المذهب أو العرق أو اللون، بل تتيح فرصاً متكافئة للجميع